الإحساس بالاستحقاق.. سرك المخفي بين ما تحلم به وماتصل إليه!
في زحمة الحياة وتقلّباتها، نُطارد النجاح، نبحث عن الحب، نريد الراحة، نُحلم بسلام داخلي يجعلنا نبتسم من دون سبب. لكن ما لا ننتبه له، أنّ كل ما نطمح إليه مرتبط بشيء واحد صغير في العمق، كبير في الأثر وهو الإحساس بالاستحقاق.
كثيرون يملكون الكفاءة ولا يصلون، وآخرون أقل مهارة لكنهم يحققون ما يريدون، لأنهم ببساطة يشعرون أنهم يستحقون.
لذا فالاستحقاق ليس مجرد فكرة تحفيزية، بل هو قناعة نفسية عميقة تحدد مقدار ما تسمح به لنفسك من نجاح، حب، مال، راحة، وطمأنينة.
اذاً ما هو الإحساس بالاستحقاق؟
الإحساس بالاستحقاق هو الشعور الداخلي بأنك جدير بالخير، بالحب، بالنجاح، وبكل ما هو جميل في الحياة.
هو أن ترى نفسك تستحق أن تُعامل بلطف، أن تُقدّر، أن تُسمع، وأن تكون حياتك مريحة ومنسجمة مع قيمك.
لكن كثيرين – من دون وعي – يعيشون بعكس ذلك.
تراهم يعملون بجدّ، يسعون، يجتهدون، لكن حين تقترب النتائج، ينسحبون، وينسون أنفسهم دون وعي.
لماذا؟
لأن بداخلهم صوتاً يقول:
“من أنا لأحصل على كل هذا؟”
أو:
“ما دام الخير أتى الآن، فلابد أن شيئاً سيئاً سيحدث بعدها”.
هذا الصوت ليس أنت.
إنه نتاج تجارب قديمة زرعت فيك شعوراً بأنك أقل من غيرك.

من أين يأتي ضعف الاستحقاق؟
الإحساس بالاستحقاق المنخفض لا يولد مع الإنسان، بل يُزرع فيه بالتدريج.
قد يأتي هذا الشعور من:
- تربية قاسية أو ناقدة، تُشعر الطفل بأنه لا ينجح إلا إذا أرضى الجميع.
- مقارنات مستمرة، تُرسّخ فكرة “غيري أفضل مني”.
- تجارب رفض أو خذلان، تجعلك تربط الحب بالأداء، لا بالوجود.
- ثقافة مجتمعية تمجد التضحية المفرطة، حتى تُصبح العطاء على حساب الذات فضيلة، والمطالبة بالراحة أنانية.
ومع تكرار هذه الرسائل، يُخزّن العقل الباطن فكرة أن الراحة والنجاح والسعادة ليست لك، بل للآخرين.
كيف يؤثر ضعف الاستحقاق على حياتك؟
ضعف الإحساس بالاستحقاق يشبه سقفاً زجاجياً غير مرئي، يمنعك من الصعود أكثر رغم قدرتك.
قد تلاحظ أنك:
- ترفض الفرص الجيدة بحجة “أنا لست مستعد الآن”.
- تختار علاقات تُرهقك لأنك تخاف أن تُحب أكثر مما تستحق.
- تشعر بالذنب حين تستمتع أو تأخذ قسطاً من الراحة.
- تبرر نجاحك وتقلل من نفسك أمام الآخرين حتى لا يُساء فهمك.
كل هذا لا علاقة له بالواقع، بل بمدى ما تسمح لنفسك أن تتلقى.
إذاً الإحساس بالاستحقاق لا يعني الغرور لأن كثيرون يخلطون بين الاستحقاق والغرور.
لكن هناك فرق عميق بينهما:
- الغرور: يرى نفسه أفضل من الآخرين.
- الاستحقاق: يرى نفسه مساوياً لهم في القيمة.
- الغرور يُقصي.
- الاستحقاق يُوازن.
حين يملأؤك الإحساس بالاستحقاق لا تحتاج أن تثبت شيئاً لأحد، لأنك تؤمن أنك كافٍ كما أنت، وهنا بالضبط يبدأ التحرر النفسي.
كيف تبني إحساس الاستحقاق؟
بناء الاستحقاق رحلة، تبدأ من الوعي وتنضج عبر الممارسة اليومية.
إليك خطوات عملية:
- راقب حديثك مع نفسك.
استبدل العبارات القاسية مثل “أنا فاشل”، بـ “أنا أتعلم”.
العقل يصدق ما تكرره، فاختر كلماتك كما تختار طعامك.
- اعترف بإنجازاتك الصغيرة.
لا تنتظر لحظة “النجاح الكبير”. كل تقدم، ولو بسيط، هو دليل أنك قادر وتستحق.
- ضع حدوداً صحية.
قل “لا” حين تحتاج، من دون شعور بالذنب.
الاستحقاق لا يكتمل دون احترام ذاتك.
- تقبل المديح.
لا ترفض الإطراء بعبارة “ده واجبي”، بل قل “شكرًا”.
السماح بالاستقبال مهارة تُعيد برمجة عقلك على التلقي.
- أحط نفسك بمن يُقدّرك.
البيئة التي ترى قيمتك تساعدك على تذكّرها حين تنساها.
- سامح نفسك على الماضي.
لا أحد يستحق أن يُسجن في ذنب قديم.
الغفران للذات هو إعلان رسمي بأنك مؤهل لبداية جديدة.

الإحساس بالاستحقاق في العلاقات
في العلاقات الإنسانية، يظهر ضعف الاستحقاق بوضوح.
قد تجد نفسك:
- تسعى لإرضاء الطرف الآخر مهما كلفك الأمر.
- تتحمل الإهمال أو التجاهل خوفاً من الفقد.
- تخاف من الحب الحقيقي لأنك لا ترى نفسك جديراً به.
لكن الحقيقة أن العلاقة الصحية لا تُبنى على الخوف، بل على الندية والاحترام.
حين تؤمن بأنك تستحق حبًا هادئاً وصادقاً، ستتوقف عن الركض خلف العلاقات المليئة بالقلق.
الاستحقاق في العمل والنجاح
الشخص ذو الإحساس المنخفض بالاستحقاق قد يهرب من النجاح كما يهرب من الفشل.
تراه يضع أهدافاً، ثم يتراجع عند أول فرصة حقيقية للظهور.
لأن داخله يقول: “لو نجحت، سيفتضح أمري”.
لكن الحقيقة أن النجاح لا يختار الأكمل، بل الأجرأ.
والجرأة تبدأ من فكرة بسيطة:
“أنا أستحق أن أُجرب، أستحق أن أنجح، أستحق أن أعيش حياة تليق بي”.
بين التواضع والاحتقار الذاتي
المجتمعات التي تخلط بين التواضع واحتقار الذات تزرع في الناس شعور “عدم الكفاية”.
التواضع لا يعني أن تقلل من نفسك، بل أن ترى قيمتك دون أن تنكر قيمة الآخرين.
حين تضع نفسك دائمًا في المؤخرة بحجة التواضع، فأنت تظلم نفسك، وتظلم من حولك لأنك تحرمهم من أجمل نسخة منك.
ختاماً
الاستحقاق ليس رفاهية نفسية، بل حجر الأساس لكل تحول داخلي.
حين تؤمن أنك تستحق، تبدأ تختار بطريقة مختلفة، تتحدث بثقة، وتتعامل بحبّ أكبر مع نفسك.
الحياة لا تعطي من يتمنى، بل من يؤمن أنه يستحق.
ولعل أجمل ما قيل في هذا المعنى:
“ما تبحث عنه يبحث عنك، لكنه لا يراك ما لم ترَ نفسك أولاً”.
هل أنت مستعدّ أن تنظر في المرآة وتقول لنفسك اليوم:
“أنا أستحق.. بكل ما فيّ من نقص وجمال”.
ابدأ من هنا، والباقي سيتغير تلقائياً.
بقلم 🖋
ابي عادل القاسم الجاك
اختصاصي ومعالج نفسي
رقم العيادة الاونلاين واتساب
00249116071234